الحمد لله وصلى الله على سيدنا ومولانا ومحمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما إخوة القراء لمجلة الفاتح، اسمحوا لنا في هذه المرة ندمع أنف يراعتنا حول هذه المدرسة الدينية العلمية التربوية، بل الزاوية التي غدت جامعة و انحدرت منها روافد ديني وزويا كثيرة تحتل مكانة مرموقة في سلم الزوايا السنغالية، والتي امتصت حبر أقلام الباحثين والمفكرين والسياسيين قديما وحديثا، معتمدا على هذه النقاط التالية: • نبذة عن مدينة تواوون قبل الشيخ الحاج مالك رضي الله عنه • مدرسة تواوون مصدر نور • مدرسة تواوون مصنع رجال: أولا: نبذة عن مدينة تواوون: إن مدينة تواوون التي تعتبر من أكبر المدن الدينية في السنغال، قبل حلول الشيخ الحاج مالك كانت مسرحا للهو واللعب والمجون، بالإضافة إلى كونها موقعا استراتيجيا لدى المستعمرين و مركزا للتجارة والسياحة. وقد ساد فيها الفوضى وعم بها البلوى واختلط الحابل بالنابل. نتيجة كثرة الوفود فيها من مختلف الشرائح والطبقات، من رجال العلم والفكر والسياسة، والتجار، استوطنها الملوك التقليديون الوثنيون، وذلك مما جعل أصحاب النفوذ من وجهاء المدن في عصر المماليك ( كجور Kadiorجلوف اتجابور Diolof باوول Baole) ينزلون فيها لشراء الخمر والتجارة بالرق. وأيضا كانت محط رحل المغاربة الذين يأتون عن طريق المرابطين والذين يعزى إليهم قصب السبق في نشر الدين الإسلامي الحنيف في غرب إفريقيا. هكذا كانت حالة المدينة إلى أن هيأ الله العوامل التي بها نشأت هذه المدرسة العرفانية النورانية. و منها ظهور هذا البدر المير الذي لاح بأنواره الساطعة في تلك الأصقاع، فعم بالفضل تلك البقاع. ذلكم الشيخ الحاج مالك عليه رضا العزيز المالك، الذي نشأ يتيما فحضنه خاله الفاهم ير، المتضلع بالعلم والفضل والصلاح. والذي تحمل أعباء تربيته وتوجيهه حتى رسخ قدمه في العلم والزهد والتقوى. وهو رضي الله عنه بعد ما عاد من رحلته الحجية الاستكشافية، انتصب للتعليم والتربية والتكوين والتأليف ، ودعوة الناس إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم الدنيوي والأخروي. وبحكمته الدعوية، أدرك أن الداء العضال الذي يهدد كيان الأمة، ويشتت أوصالها، هو داء الجهل. تبادر بهمة عالية وعزيمته فائقة لمحاربته واستئصاله. فدعا إلى إحياء الدين بالعلم فقال: ألا يابني هذا الزمان دعوتكم لإحياء دين بالعلوم أجيبوا وقد أنشأ الشيخ هذه المدرسة وطبق فيها منهجا تربويا علميا ربانيا، متسما بالاتزان، والاعتدال، والتوسط، ضمن مقاصد الشريعة الإسلامية، وكانت من نتائجها صناعة رجال ستبقى مكانتهم الدينية ومناقبهم النورانية العرفانية مسجلة في التاريخ بمداد من الفخر للأمة المسلمة ثانيا: تواوون مصدر نور: يقول الشيخ علي غي رضي الله عنه أحد الرجال الذين صنعتهم هذه المدرسة: أتى وبقاع السود ظلم وظلمة فقام بسيف الهم بالحق مجرد ويقول الشاعر: وما شرف الأقطار إلا رجالها وإلا فلا فضل لترب على ترب ويقول آخر: تواوون القوم أرض للهدايات أضاءها الله من نور الدرايات والشيخ أحمد التجان سي المكتوم رضي الله عنه أيضا يقول: نزلنا نزولا رجوع بعدها بظلك يا خير القرى والمدائن وفيك وجدنا ما اشتهته نفوسنا وفيك وجدنا خير ما في المواطن توطنك الفرد الذي عمم الورى بآلائه تعميم أجود هاتن و الشاعر المورتاني محمد عبد الله ابن القفا العلوي بقوله: "خليلي عوجا وانزلا بتواون تواوون فيها اليمن للمتيامن فما طار فيها طائر متشائم ولكنها ذات الطيور المتيامن ثالثا: مدرسة تواوون مصنع رجال: السؤال الذي يطرح نفسه هواما هي جذور منهج الشيخ الحاج مالك التعليمي والتربوي ونتائجها؟ إن التصوف الإسلامي قد بلغ شاوا بالغا في إنتاجات المدرسة التواونية، لأن الشيخ الحاج مالك رضي الله عنه لم يزل مدة حياته معلما ناجحا ومربيا حكيما راسخ القدم في الشريعة والطريقة، يخاطب العقول والنفوس، ويرشد العقول التائهة، وينبض القلوب الميتة، بذكر الله، ويكشف ستار العيون المسحرة، ويجدد رسوم الدين ومعالمه الحضارية، ويزكي النفوس الغافلة. فهو رضي الله عنه ما كان يرى حدا فاصلا بين الشريعة والحقيقة، لأن الثانية ثمرة عمل العبد بأحكام الشريعة. وعلى هذا المنهج : الشريعة والطريقة بنى به مدرسته واستخدم عدة أساليب لتنفيذه خططته التربوية المعتمدة على الكتاب والسنة والتصوف السني الهادفة إلى صناعة رجال يحمون قومهم ويذودون أمتهم ويقيمون الدين وينصرونه. ففي التعليم: اعتمد الشيخ بتعليم الشريعة مع التمسك بجوهر الحياة الروحية، حسن الصلة بالله تعالى بذكره وشكره وحسن عبادته، فمعنى التصوف عنده هو صدق التوجه إلى الله تعالى: صدق التوجه في إرضاء خالقنا =معنى التصوف لا ما قال ذو الرعن. وفي التربية :كان الشيخ يعتمد على مبدأ التربية بالقدوة، فيقوم بالواجب قبل أن يدعوا إليه. وذلك مبدأ تربوي معاصر. وقد تسنى الشيخ الحاج بتربية جيل تربية متكاملة، وتكوينهم عقليا وجسميا واجتماعيا ونفسيا واقتصاديا وروحيا. ومن أمثلة أدائه الواجب قبل الدعوة إليه مقولة الشيخ الحاج هادي توري أحد أتباعه( لازمت الشيخ الحاج مالك سه تسع سنوات لم تغب عنه صلاة واحدة عن الجماعة، إلا صلا واحدة كان مع كبارتلاميذه في حل المسائل العلمية حتى خرجوا وقد وجدوا الناس قد أدواا صلا تهم في المسجد) • إقامة المساجد والزوايا: فكم من المساجد والزوايا أقامها الشيخ الحاج مالك تقام فيها الصلوات والشعائر الدينية الأخرى، من ذكر وتلاوة قرآن . فالزوايا التي خلفها الشيخ ثلاثة: وتتوزع في سانلوي، وتواون، وداكار. أما المساجد فلم نعثر بعد إحصاء مناسبا لعددها. العمل للمعيشة وعدم العالة على الغير: وقد اتخذ الشيخ مزارع لمزاولة مهنة الزراعة لكسب المعيشة. • اللامركرية : فعملا بالآية الكريمة ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة....) كان الشيخ يعين كل تلميذ وفقه الله سبحانه وتعالى أن يبلغ مبلغ الكمل في العلم والتربية في مناطق تحتاج إلى معلم ومرب وذلك بعد ما أجازه في الشريعة والطريقة. وبهذا الأسلوب تمكن الشيخ من نشر دعوته في مختلف أرجاء السنغال، حتى لا تكاد تدخل منطقة من مناطقها إلا وترى مسجدا أو زاوية يذكر فيها اسم الله في الغدو والآصال.(رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن دكر الله) • المولد النبوي الشريف: إن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم تتبوأ مكانة مرموقة في حياة المتصوفة، ومحبة الشيخ الحاج مالك ـ عليه رضا العزيز المالك ـ للرسول صلى الله عليه وسلم واقتداءه به، جعله يجزل الثناء والمدح عليه، وقد خصص لمدح النبي صلى الله عليه وسلم ودعوة الناس إلى اتباع سنته الطاهرة في تآلفيه قسما أطلق عليه " المحمديات" و قد نال من مدح النبي إعجابا وقبولا من الناس. ولقد دعا إلى إحياء مولد النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة مناسبة لتعاليم الشرع الحنيف فقال: ألا عظموا ليلة الولادة حسبة إذا لم يكن نحو الحرام عدول فبدءا من هذا التاريخ ( 1900 ) وعلى أغلب الأقوال ( 1902) أنشأ الشيخ الحاج مالك فكرة الاحياء بالمولد، والتي كان يهدف منها تعليم الأتباع سيرة المختار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فكانت مناسبة تمثل أسلوب تعليم مفتوح على الأمي والمتعلم وعلى العامة والخاصة، بل ملتنقى للتعارف، ولتبليغ الرسالة، وتطبيق أوامر الله، ووسيلة لربط العلاقات بين المسلمين، وفرصة سانحة لتدارس أمور الدين والدنيا وكل ذلك على مبدأ الصفاء والإخلاص والبعد عن المحرمات وفي ذلك يقول الشيخ الحاج مالك رضي الله عنه: ومولده به شرف وخير ففي التعظيم إنجاح الشجون لهذا ولغيره اتخذ الشيخ الحاج مالك هذه الوسيلة من جملة وسائله التربوية. لتبليغ رسالته الدعوية والإصلاحية. • النتائج: قال تعالى:( رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله) وقد تخرج من هذا المصدر النوراني والمصنع الرباني نخبة من علماء و أقطاب وزعهم على الجميع الأصقاع السنغالية، والذين اصطبغوا بصبغته، في التربية والتعليم والحكمة والموعظة الحسنة فصاروا أعلاما في الهدى، وأقمارا يستنار بهم في العلم والعمل. وفي الزهد والورع طُودا شامخة، بل معراجا للسالكين والعارفين،، بل عباقرة، كلت الألسنة عن نطق مناقبهم والعيون عن وصف مزاياهم، و الفهوم عن إدراك معانيهم. وبعد هذه الجولة معكم أيها القارئ الكريم توصلنا إلى الإدراك بأن مدرسة تواوون في الحقيقة مصدر نور ومصنع رجال. من أخيكم : الدكتور محمد البشير انغوم. .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق